” أنا هو نور العالم” (يوحنا 12:8)
قال المسيح: “أنا هو نور العالم. من يتبعني فلا يمشي في الظلمة، بل يكون له نور الحياة” وهذا قول عظيم، لا يستطيع بشر أن يقوله. ولكن “الله الذي ظهر في الجسد” قاله، بعد أن غفر للمرأة الخاطئة وأطلقها حرة من ظلمة الخطية إلى نور حياة الطهارة – ثم بعد أن قاله فتح عيني المولود أعمى. والفرق بين الأعمى والمولود أعمى، أن الأعمى له مراكز بصر لا تعمل، ولكن المولود أعمى ليس له مراكز بصر. فخلق المسيح له مراكز بصر! وقد وردت قصة فتح عين المولود أعمى في الأصحاح التالي (يوحنا 9) للأصحاح الذي أعلن فيه أنه نور العالم (يوحنا 8).
قال الحكيم: “النور حلو وخير للعينين” (جامعة 7:11) ومنذ القديم فكر الناس في أن الله نور، حتى عبدوا الشمس لأنها مصدر النور!
ويقول المرنم: “الرب نوري وخلاصي” (مز 1:27). فغن هناك معركة دائمة بين النور والظلمة. الظلمة رمز الشر والنور رمز الخير.. ولا بد أن يطرد الخير الشر كما يطرد النور الظلام. فنشكر الله لأنه نورنا وخلاصنا.
وقد تنبأ بلعام في القديم بالمسيح نور العالم، فرآه الكوكب الذي يبرز من يعقوب (العدد 17:24) ونجد تحقيق النبوة في سفر الرؤيا عندما نسمع الصوت الإلهي يقول: “أنا يسوع.. أنا أصل وذرية داود، كوكب الصبح المنير” (16:22).
وكأن النجم الذي قاد المجوس للمسيح يقول لهم إن كوكب الصبح المنير قد جاء (متى 2:2-9) بل هو شمس البر والشفاء في أجنحته (ملاخي 2:4).
إنه كوكب الصبح، ألمع النجوم.. بل هو الشمس.. فهل نحتاج بعده إلى نور؟
وأي نور أعظم من نور الشمس. كل المعلمين والأنبياء الذين جاءوا قبله أو بعده أخذوا منه، ولم يزد أحد منهم شيئاً على تعاليمه. بل إن تعاليمه هي الكاملة العظيمة العالية، وكل ما قبلها أو بعدها اقتباس منها.
وهو النور الذي ينهي الظلام، وبه يطلع النهار.. ومتى طلع النهار هل يوقدون سراجاً؟ وهو الشمس والكوكب المنير الذي يضيء المسكونة كلها، ولا يمكن أن يحبس نوره شيء.. ما أمجد هذا المسيح!
وقد قال هو عن نفسه: “أنا هو نور العالم” .. قال هذا في أورشليم وقت عيد المظال، الذي يسكن اليهود أثناءه في خيام من أغصان الشجر ليذكروا سفرهم في البرية من مصر إلى كنعان..
وقال القول عند الخزانة، حيث يضع الناس الفضة هدية للهيكل.
وقد اعتاد اليهود أن يقيموا حفلة خاصة في نهاية اليوم الأول من عيد المظال. وكانوا يضيئون أربعة شمعدانات ضخمة بعد حلول الظلام، فكان النور يطرد الظلام من الهيكل ومن شوارع وحارات أورشليم..
وعند هذا الاحتفال العظيم أعلن المسيح أنه هو نور العالم!
ومن هذا نرى ثلاثة معاني:
- تذكار عمود النار الذي كان يضيء الليل عند سفر الشعب إلى كنعان، وهم في البرية. وعيد المظال كما رأينا تذكار سكن الشعب في البرية.
والنور يذكرهم بنور الله الذي أضاء طريقهم، وأرشدهم في السفر، وحماهم من الوحوش بالليل (راجع سفر الخروج 21:13).
والمسيح هو النور الذي يضيء ظلمة حياتنا، ويرشدنا للطريق الذي نسلكه..
- تذكار السحابة المنيرة التي غطت مكان العبادة. ويقول الكتاب: “وفي المساء كان على المسكن كمنظر نار إلى الصباح” ( العدد 15:6).
وتذكار السحاب الذي ملأ الهيكل عندما صلى سليمان فيه، وقول الكتاب عنه: “لأن مجد الرب ملأ البيت” (1ملوك 11:8).
وكان نور الشمعدانات الأربعة في عيد المظال تذكيراً لليهود بأن الرب يسكن في وسطهم. وفي المسيح نرى الله وسطنا. هو حل بيننا بمعنى أنه جاء في خيمة إلينا. الله فيه سكن وسطنا.
- انتظار مجيء المسيا الذي تنبأ عنه النبي إشعياء وقال: “الشعب السالك في الظلمة أبصر نوراً عظيماً. الجالسون في أرض ظلال الموت أشرق عليهم نور” (2:9).
وها قد جاء المسيا الذي انتظروه.
والمسيح يقول إنه النور الذي يضيء للعالم كله، والناس يسيرون في برية الحياة المظلمة. وهو النور الذي يضيء على كل من يقبله، كما أضاء بحضوره على الشعب.. وهو النور الذي انتظره الآباء في العهد القديم، حتى جاء في ملء الزمان!
والآن تعالوا نرى المعاني التي نتعلمها من قول المسيح: “أنا هو نور العالم”
- النور يكشف:
الذي يسير في الظلام لا يرى عيوب الطريق.. والذي يبقى في الظلام لا يقدر أن يرى عيوب وجهه أو عيوب ثيابه.. ويقول المسيح إن الذي يعمل الخطأ لا يحب النور، إذ يقول: “النور قد جاء إلى العالم وأحب الناس الظلمة أكثر من النور لأن أعمالهم كانت شريرة. لأن كل من يعمل السيئات يبغض النور، ولا يأتي إلى النور لئلا توبَّخ أعماله. وأما من يفعل الحق فيُقبل إلى النور لكي تظهر أعماله أنها بالله معمولة” (يوحنا 19:3-21).
النور يطرد الجريمة.. في الظلام يقتل الناس بعضهم ويسرقون، ولكن النور يخجلهم فلا يخطئون. ولا يستطيع أحد أن يكشف نفسه وعيوبها إلا في نور المسيح.
في نور المسيح شعر بطرس بخطيته، فصرخ: “لأني رجل خاطئ”.
وفي نور المسيح يمكن أن ترى عيوبك أيها القارئ، وتعرف نفسك. إن كنت تظن أنك صالح، فأنت محتاج إلى نور المسيح الذي يكشف عيوبك حتى تصلي: “اللهم ارحمني أنا الخاطئ”.
النور يحيي:
قال الإنجيل عن المسيح: “فيه كانت الحياة، والحياة كانت نور الناس” (يوحنا 4:1). نور الشمس ينمي النبات، وبدون النور لا تزهر الورود ولا ينمو الشجر. ونور الشمس يحفظ الصحة، فالذي يعيش تحت الأرض يتلف صحته.. والحكومة تحاول أن تهدم البيوت الضيقة القديمة وتبنى بدلها البيوت الجديدة التي يدخلها النور. والمسيح يعطي الحياة.. ويعطي النمو ويعطي الصلاح..
وقد قال الرسول يعقوب: “كل عطية صالحة، وكل موهبة تامة هي من فوق نازلة من عند أبي الأنوار”
والمسيح نور العالم يعطي الحياة.إنه يكشف عيوبنا، ويحيينا!
يقول: “من يتبعني فلا يمشي في الظلمة بل يكون له نور الحياة”.
3-النور يرشد:
كان النور يسير قدام الشعب فيسيرون.. وكان يقف فيقفون.. وكان عمود السحاب هداية للشعب في البرية. والمسيح نورنا ودليلنا ومرشدنا! الذي يتبعه لا يمشي في الظلمة ولا يعثر..
وكما يضيء الفنار للسفن حتى لا تصطدم بصخور الشاطئ، هكذا من يمشي في نور المسيح لا يصطدم بصخور الحياة القاسية، ولكن يصل إلى شاطئ الأمان في سلام.
وقد قال المسيح: “إن كان أحد يمشي في النهار لا يعثر لأنه ينظر نور هذا العالم” (يوحنا 9:11).
- النور ينتصر:
“النور يضيء في الظلمة، والظلمة لم تدركه” (يوحنا 5:1)
لا تستطيع الظلمة أن تجري وراء النور حتى تدركه.. لكن النور يجري وراء الظلام ويبدده!
نور النهار يقشع ظلام الليل، وشمعة صغيرة تبدد ظلام غرفة كبيرة..
ونور المسيح لا بد أن ينتصر ويقشع ظلام الخطية، فإن النصر النهائي ليسوع.
قد يظهر أن الظلام يهزم النور، وقد يظهر أن الشر يغلب الخير، أو أن الضلال ينتصر على الحق.. لكن النصرة الأخيرة للحق وحده.
أيها القارئ العزيز: ثق في يسوع الذي سينتصر، وتجثو لاسم يسوع كل ركبة ممن في السماء ومن على الأرض ومن تحت الأرض. وإن كنت مع يسوع فالنصر لك، لأنه إن كان الله معنا فمن علينا؟!
المسيح أنار الحياة:
يقول الرسول بولس إن المسيح أنار الحياة والخلود بواسطة الإنجيل (2تيمو 10:1).
أنا المسيح العالم بتعاليمه، فما أروع ما قال عن حياة المحبة للآخرين، والغفران للمسيئين. استمع إليه وقد أنار جوانب حياتنا بما علَّم. “سمعتُم أنه قيل تحب قريبك وتبغض عدوك، وأما أنا فأقول لكم: أحبوا أعدائكم. باركوا لاعنيكم. أحسنوا إلى مبغضيكم، وصلُّوا لأجل الذين يسيئون إليكم ويطردونكم” (متى 43:5 و44).
يا لنور هذا التعليم المدهش، الذي لو طبق على حياتنا لتغير عالمنا تماماً. نحن لا نحتاج لأسلحة ذرية، لأن قلب عالمنا جائع إلى الحب. نعم أنار المسيح عالمنا بتعليمه العامر بالحب.
على أن المسيح أيضاً أنار عالمنا بمثال من حياته. هو الذي يطبق ما علَّم به. لم تكن هناك شريعة كلف بها سامعيه لم يطبقها هو على نفسه أولاً، في كل مجالات الحياة. لم يكن هناك استثناء واحد من الشريعة استثنى المسيح نفسه منه، بحجة أنه قائد أو معلم أو منشئ عبادة جديدة. لقد كان المسيح تجسيداً حياً لكل علم به وكل ما قاله. لقد واجه المسيح أعدائه الذين طالما انتقدوه وقال لهم: “من منكم يبكتني على خطية؟” (يوحنا 46:8) فلم يستطع واحد أن يجاوب عليه. نعم، هو الكامل الذي لا خطأ فيه. عنه يقول الرسول بطرس الذي عاش معه في قرب قريب مدة ثلاث سنوات: فغن المسيح تألم من أجلنا، تاركاً لنا مثالاً لكي نتبع خطواته. الذي لم يفعل خطية ولا وجد في فمه مكر. الذي إذا شُتم لم يكن يشتم عوضاً، وإذا تألم لم يكن يهدد بل كان يسلم لمن يقضي بعدل” (1بطرس 21:2-23). صحيح أن المسيح أنار حياتنا بما علَّم، وأنار حياتنا بما عاشه، وأعطانا نموذجاً لهذه الحياة.
على أن أجمل شيء هو أن المسيح أنار حياتنا بأن يسكن قلوبنا فنتمكن من تطبيق ما علَّمنا وما أرانا في سلوكه. إن الذي يقرأ تعاليم المسيح يصاب بحالة من اليأس الشديد، لأنه يجد نفسه عاجزاً تماماً عن أن يقوم بها. هنا يجيء المسيح ليسكن قلب المؤمن به ليمكنه من أن يعمل عمله.
لا يمكن أن تكتب شعراً كشعر شوقي أمير الشعراء إلا إذا كان روح شوقي فيك. ولكن شوقي مات، أما المسيح فهو الحي الذي قام من بين الأموات، وهو يقوم لك: إنني أسكن قلبك وأغير حياتك وأحلُّ فيك، لتستطيع أن تعمل الأعمال التي أعملها أنا. عندها نستطيع أن نطبق ما علمه لنا وما أعطاه من حياته كنموذج لسلوكنا. لذلك يقول الإنجيل المقدس: “ليكن فيكم الفكر الذي في المسيح” (فيلبي 5:2). ويقول: “لأن الله هو الأمل فيكم لأن تريدوا وأن تعملوا من أجل مسرته” (فيلبي 13:2). نعم، إن المسيح أنار حياتنا بكل هذا. ويمكن أن يدخل النور إلى حياتك، فقد قال: “أنا هو نور العالم. من يتبعني فلا يمشي في الظلمة، بل يكون له نور الحياة”.
المسيح أنار الخلود:
نعم، أنار المسيح حياتنا كما أنار لنا الخلود بواسطة الإنجيل – الخبر المفرح – الذي هو مجيء المسيح إلى عالمنا. لقد سار المسيح الطريق أمامنا، فجاز في وادي ظل الموت، وقام من بين الأموات بعد أن هزم الموت، وهو يقول لك: “لقد سلكت الطريق أمامك، فالطريق مضيء. كأن شخصاً عبر نهراً وأضاء سراجاً في الجانب الآخر، فأصبح البحر مظلماً مضيئاً، لأن الذي عبر أنار الطريق كله. هذا ما فعله السيد المسيح. لقد مات من أجلنا ورفع على الصليب ودفن في القبر، ولكنه قام في اليوم الثالث من بين الأموات.؟ وعندما ذهب تلاميذه ليقوموا بواجبهم نحو الجسد الميت وجدوا القبر فارغاً. ولغز القبر الفارغ يقول لكل واحد منا: “ليس هو ههنا لكنه قام كما قال” (متى 6:28) هذا المسيح الحي الذي أنار لنا الطريق يقول لنا: “إني أنا حيٌ فأنتم ستحيون” (يوحنا 19:14). نعم أنار المسيح الخلود لأنه جاز الطريق قبلنا، وهو يمسك بأيدينا لنعبر سائرين وراءه.
ولا نستطيع أن نختم حديثنا هذا بدون أن نشير إلى حقيقة هامة وهي أن النور ليس معنا في كل حين فقد قال المسيح: ” النور معكم زماناً قليلاً بعد، فسيروا ما دام لكم النور لئلا يدرككم الظلام” (يوحنا 35:12).
الفرصة لك لتقبل المسيح وتنال الخلاص.
النور معك زماناً يسيراً، الفرصة بين يديك الآن، لكنها قد تضيع منك غداً..
اليوم يوم خلاص، والوقت وقت مقبول.
اليوم إن سمعتم صوته فلا تقسوا قلوبكم..
أدعوك أن تجيء إلى المسيح لتقول له: “أنا أعرف عيوبي يا رب. أنا محتاجٌ إلى نور المسيح” صلِّ قائلاً: “اللهم ارحمني أنا الخاطئ” وعندها يتحقق لك القول المبارك: “أنا هو نور العالم. من يتبعني فلا يمشي في الظلمة بل يكون له نور الحياة”.