أنت هو المسيح (متى 16: 6)
معنى لقب «المسيح» أنه الممسوح من الله بقوة الروح القدس ليقدِّم الخلاص للبشر، وهو ترجمة كلمة عبرية تعني المسيا، أي المخلص المنتظر. وعندما سأل المسيح تلاميذه: «من يقول الناس إني أنا ابن الإنسان؟» أجابوه: «قومٌ يقولون إنك يوحنا المعمدان، وآخرون يقولون إنك إيليا، وآخرون يقولون إنك إرميا أو واحدٌ من الأنبياء». فعاد المسيح يسألهم: «وأنتم من تقولون إني أنا؟» فأجابه سمعان بطرس: «أنت هو المسيح ابن الله الحي». فقال له المسيح: «طوبى لك يا سمعان بن يونا. إن لحماً ودماً لم يعلن لك، لكن أبي الذي في السموات» (متى 16: 13-17).
كان اليهود يقسمون الزمان إلى قسمين: «العالم الحاضر» وهو زمان الشر والفساد الذي يسود فيه سلطان إبليس، وكانوا يقولون إن إصلاحه مستحيل. و«العالم الآتي» وهو زمان الخير والبركة الذي يسود فيه سلطان الله على العالم. وكانوا يعتقدون أن نهاية العالم الحاضر الشرير وبداية العالم الآتي المبارك ستحدث عندما يجيء المسيا المخلص المنتظر إلى أرضنا. كانوا يؤمنون أن إصلاح العالم لا يمكن بدون مجيء المسيح، لأن مجيء المسيح سيغيِّر العالم. وكانوا ينتظرون إيليا قبل مجيء المسيح ليجهِّز الطريق له، تحقيقاً لنبوة النبي ملاخي التي جاءت في التوراة والتي يقول فيها : «هأنذا أرسل إليكم إيليا النبي قبل مجيء يوم الرب. فيرد قلب الآباء على الأبناء، وقلب الأبناء على آبائهم» (ملاخي 4: 5، 6). فيجيء إيليا ليحل بعض المشاكل، مثل عصيان الأبناء على آبائهم. وبعد ذلك يأتي المسيح إلى عالم أفضل مستعد لقبوله.
ولما مضى زمان طويل دون أن يأتي المسيح بدأ اليهود يقولون: «لو أن اليهود جميعاً حفظوا الناموس كله مدة يوم واحد يجيء المسيح» ثم قالوا: «لو أن اليهود كلهم حفظوا يومي سبت متتاليين بدون خطية لجاء المسيح». من هذا نرى أن اليهود كانوا يهتمون بحفظ الناموس، لكنهم كانوا يرون عجزهم عن حفظه. كانوا ينتظرونه محرراً سياسياً لبلادهم، وملكاً أرضياً يملك على مملكة أرضية لخير الأجساد. وجاء المسيح ملكاً روحياً يملك على القلوب. وجاء يوحنا المعمدان وجهز الطريق أمام مجيئه. كان اليهود ينتظرون عودة إيليا، حسب تفسيرهم الحرفي لنبوة ملاخي. ولم يصدقوا أن يوحنا المعمدان هو إيليا المنتظر. لكن يوحنا جاء بروح إيليا، يعظ كما كان إيليا يعظ، ويأكل ويحيا كما كان إيليا يأكل ويحيا. ولذلك قال السيد المسيح عن يوحنا السيد المسيح ملكاً روحياً يملك على القلوب، ولم يصدق كثيرون من سامعيه أن هذا النجار الفقير الذي جاء من ناصرة الجليل يمكن أن يكون نبياً أو يمكن أن يكون مخلصاً.
المسيح النبي والكاهن والملك:
المسيح هو المدهون بدهنة المسحة التي تخصصه لخدمة ممتازة. وكانوا في التوراة يمسحون النبي والكاهن والملك. فيكون أن المسيح الممسوح بدهنة المسحة هو النبي والكاهن والملك، فقد ظهر هذا المعنى في الهدية التي قدمها المجوس للسيد المسيح، عندما قدموا له ذهباً ولباناً ومراً. إذاً تعالوا نرى هذه الخدمات الثلاث التي يؤديها المسيح لنا.
المسيح هو النبي الذي يعلن لنا رسالة الله وصوته. لقد قال النبي إشعياء إن المسيح الآتي يقول: «روح السيد الرب عليَّ، لأبشر المساكين، أرسلني لأعصب منكسري القلب، لأنادي للمسبيين بالعتق، وللمأسورين بالإطلاق، لأنادي بسنة مقبولة للرب، لأعزّي كل النائحين» (إشعياء 61: 1). ووقف السيد المسيح في مجمع الناصرة ، ودفع إليه سفر النبي إشعياء فقرأ «روح السيد الرب عليّ، لأبشر المساكين، أرسلني لأشفي منكسري القلوب، لأنادي للمأسورين بالإطلاق، وللعمي بالبصر، وأرسل المنسحقين في الحرية، وأكرز بسنة الرب المقبولة». ثم قال لسامعيه: «اليوم قد تمَّ هذا المكتوب في مسامعكم» (لوقا 4: 16-21). وتعجبوا جميعاً من كلمات النعمة الخارجة من فمه. فقد كان يتكلم كمن له سلطان وليس كالكتبة.
جاء المسيح نبياً ليعلن للشعب رسالة الله، الله لم يره أحدٌ قط، ولكن المسيح هو الذي خبر. وهو قد قال: «الذي رآني فقد رأى الآب» (يوحنا 14: 9). هو الكلمة.
والمسيح ممسوح بمسحة الدهن المقدسة بمعنى أنه كاهن. لقد طلب الله من موسى في التوراة أن يأخذ دهنة المسحة ويسكب على رأس هارون وأولاده، فيكون لهم الكهنوت. وكان الكاهن يصلي عن الشعب ويقدم عنهم الذبائح. والمسيح كاهننا العظيم الذي عن طريقه نتقرب إلى الله. هو الذي قدم نفسه ذبيحة لله عن الشعب، وبه نتقرب إلى الله، وهو الذي يشفع فينا. لذلك يقول رسول المسيحية بولس: «يوجد إلهٌ واحد ووسيطٌ واحدٌ بين الله والناس الإنسان يسوع المسيح» (1تيموثاوس 2: 5).
والمسيح ملك. قال عنه إشعياء بروح النبوة «لأنه يولد لنا ولد ونعطى ابناً، وتكون الرياسة على كتفه، ويدعى اسمه عجيباً، مشيراً، إلهاً قديراً، أباً أبدياً، رئيس السلام. لنمو رياسته وللسلام لا نهاية على كرسي داود وعلى مملكته» (إشعياء 9: 6، 7). وعند يقول بروح النبوة : «تجثو باسم يسوع كل ركبة ممن في السماء ومن على الأرض ومن تحت الأرض، ويعترف كل لسان أن يسوع المسيح هو ربٌ لمجد الله الآب» (فيلبي 2: 10، 11).
هذا هو المسيح النبي الذي أعلن لنا من هو الله، لأنه كلمة الله، والكاهن الذي يقربنا إلى الله، يصلي لأجلنا ويشفع فينا. وهو الملك الذي يستحق وحده أن يملك على قلوبنا. فهل أعطيته سلطاناً وملكاً على حياتك؟
هل بواسطته وجدت طريقك إلى الله، وهل تصالحت مع الله عن طريق المسيح الذي قدم نفسه ذبيحة كفارية عنك؟