“أنا هو خبز الحياة” (يوحنا 35:6، 48)
كان المسيح يعلن للسامعين حقائق روحية، يسندها بمعجزة ملموسة تشرح معنى الحقيقة الروحية. وكان أحياناً يجري معجزة، يعلن بعدها لسامعيه المعنى الروحي لما قال. فالمسيح يبارك الروح ويبارك الجسد أيضاً.
وفي الأصحاح السادس من إنجيل يوحنا نقرأ عن معجزة إطعام الخمسة الآلاف بخمس خبزات وسمكتين، ثم نسمع إعلان المسيح عن نفسه أنه “خبز الحياة” بعد أن أعلن حبه واهتمامه بأجساد الناس، أعلن حبه واهتمامه بخلاص أرواح الناس. وهو يريد أن يبارك جسدك وقلبك.
والخبز جزء هام رئيسي في طعامنا، فإننا لا نقدر أن نأكل طعامنا بدون الخبز.. ونحن نقرأ القول المقدس: “ليس بالخبز وحده يحيا الإنسان” ومع أن معنى الآية أن الخبز وحده لا يكفي، إلا أن معناها أيضاً أن الخبز شيء هام لحياة الإنسان.
وقد قال المسيح عن نفسه إنه “خبز الحياة” مرتين في أصحاح واحد، وبعد معجزة إطعام خمسة آلاف نفس بخمس خبزات وسمكتين.
وأجرى المسيح معجزة إطعام الخمسة الآلاف في البرية، وفاضت اثنتا عشر قفة.
وفرح الشعب بالطعام، وأسرعوا يبحثون عن المسيح ولما لم يجدوه عبروا البحر وجاءوا إلى حيث كان، وسألوه: “يا معلم: متى صرت هنا؟” فكان جوابه: “أنتم تطلبونني ليس لأنكم رأيتم آيات، بل لأنكم أكلتم من الخبز فشبعتم”.
وكثيرون يجرون وراء المسيح لأنهم يطلبون النفع المادي والخبز الجسدي، مع أننا يجب أن نطلب ملكوت الله وبره أولاً.
ومع أننا يجب ان نطلب طعام الروح أولاً، إلا أن الله يعطينا كل شيء بغنى للتمتع. إنه يعطينا غذاء القلب وغذاء الجسد، وقد علمنا أن نصلي في الصلاة الربانية قائلين: “خبزنا كفافنا أعطنا اليوم”.
وعندما تكلم الشعب عن الممن الذي أكله آباؤهم في البرية وماتوا، كلمهم المسيح أنه هو خبز الحياة.
“ونحن اليوم نعلم أن المسيح هو الخبز الحي، الذي وحده يعطي الحياة، والذي لا حياة إلا به وفيه.. فهو وحده الطريق والحق والحياة.. وهو وحده القيامة والحياة.
الخبز الذي نزل من السماء:
كان بنو إسرائيل يعتقدون أن المن خبز من السماء (نحميا 15:9) وطعام الملائكة (مزمور 25:78).
وكان المن في نظرهم يرتبط بمعجزة من السماء، لا يستطيعون أن يدركوا عمقها.. وكانوا يعتقدون أن المسيا الآتي سيطعم شعبه من المن السماوي. وكانوا يقولون إنه ما دام موسى المنقذ الأول أعطاهم المن، فغن المنقذ الأخير الذي هو المسيح سيعطيهم أيضاً المن.
ونحن نعلم أن اليهود كانوا يضعون في التابوت: الوصايا العشر، والعصا التي أفرخت، وقسط المن (عبرانيين 3:9 و4). وكانوا يقولون إن إرميا جاء وقت خراب الهيكل وأخذ قسط المن وأخفاه . وحين يجيء المسيا المخلص، يحضر القسط الذي أخفاه إرميا، ويطعم المن للمؤمنين ولعل هذه الفكرة كان في ذهن من قال: “من يغلب فسأعطيه أن يأكل من المن المخفي” (رؤيا 17:2).
وقد أعلن المسيح أنه المن النازل من السماء، والخبز الذي من السماء.. هو الله الذي ظهر في الجسد.. وهو الذي انتظرته الأجيال.
هو الذي جاء من عند الله ومعه ما يشبع القلب.
الخبز اللازم للحياة:
“أنا هو خبز الحياة” معناها “أنا هو الخبز الذي يعطي الحياة”.
“لأن خبز الله هو النازل من السماء، الواهب الحياة للعالم.. لأن هذه هي مشيئة الذي أرسلني: إن كل من يرى الابن ويؤمن به تكون له حياة أبدية، وأنا أقيمه في اليوم الأخير” (يوحنا 33:6 و40).
ويقول المسيح: “من يؤمن بي فله حياة أبدية. أنا هو خبز الحياة. آباؤكم أكلوا المن في البرية وماتوا. هذا هو الخبز النازل من السماء لكي يأكل منه الإنسان ولا يموت. أنا هو الخبز الحي الذي نزل من السماء. إن أكل أحد هذا الخبز يحيا إلى الأبد، والخبز الذي أنا أعطي هو جسدي الذي أبذله من أجل حياة العالم” (يوحنا 47:6-51).
والمسيح يريد أن يقول إنه الذي يعطي الحياة هنا في هذا العالم، وفي العالم الآتي بالحياة الأبدية. فيه وحده الحياة، وبدونه لا نقدر أن نحيا أو نتحرك أو نوجد.. هو حياتنا.. ونحن نحيا به.
في أثناء الحرب العالمية الثانية طلبت محطة الإذاعة البريطانية من فيلسوف مسيحي أن يلقي بعض المحاضرات الدينية في الإذاعة. وألقى الفيلسوف كلايف لويس عدة محاضرات عظيمة، قال في محاضرة منها إن الله خلق الإنسان ليحيا به وحده، فلا يمكنه أن يحيا بدون الله. وضرب الأستاذ لويس مثلاً قال: السيارة التي صنعها المهندس لتسير بالسولار الرخيص الثمن لا يمكن أن تسير بوقود غيره. فإذا وضعت في خزانها ماء، وهو أرخص شيء، لا تسير.. وإذا وضعت في خزانها عطراً غالي الثمن، لا يمكن أن تسير. إنها لا يمكن أن تسير إلا بالسولار، لان المهندس الذي صنعها يريد لها ذلك.
ثم قال الأستاذ لويس إن الله خلقنا لنحيا ونتحرك ونوجد، ولكننا نحاول أحياناً أن نحيا بدون الله، فنصرف كل وقتنا لجمع المال، أو في محاولة الحصول على السلطة والعظمة، أو في الجري وراء الشهرة، أو في الحصول على العالم كله، وننسى الله. ونكتشف أن كل هذه الأشياء لا تجعلنا نتحرك. والسبب بسيط: إن الله خلقنا لكي نحيا به وحده، ويجب أن نعطيه المكان الأول في قلوبنا.
أيها القارئ العزيز: الغذاء الوحيد الذي يعطيك الحياة ويشبع قلبك هو يسوع المسيح وحده. فقد تجري وراء غيره فتتعب ولا تحصد إلا الجوع والعوز.. ولكنه هو الذي يشبع قلبك ويملا حياتك بالاكتفاء والراحة والسعادة. “فيه كانت الحياة”.
الخبز الصالح للجميع:
كان بنو إسرائيل يقولون إن المن يناسب الناس من كل عمر. وفي كل حالة. إنه يناسب المريض والصحيح ، ويناسب الكبير والصغير.
لا زال الخبز إلى اليوم طعام الجميع.. الغني والفقير الجميع يأكلون من الخبز. ويسوع المسيح الخبز النازل من السماء هو طعام الجميع. وفي كلام المسيح يفتح الباب أمام الجميع حتى ينالوا الحياة.
“من يأكل من هذا الخبز يحيا إلى الأبد” (يوحنا 51:6).
“كل من سمع من الآب وتعلَّم يُقبل إليَّ” (يوحنا 45:6).
أيها القارئ العزيز: الفرصة لك أن تأتي إلى المسيح. وتجد فيه كل ما تحتاج إليه. عنده كل حل لكل مشكلة من مشاكلك. إنه يفتح بابه لك. ويدعوك بترحيب. مائدة مستعدة لاستقبالك، كأنه لا يوجد أحد في العالم إلا أنت!
الخبز الذي يعطي الحكمة:
الله الذي هو الحكمة ينادي:
“كلوا من طعامي.. اتركوا الجهالات فتحيوا، وسيروا في طريق الفهم” (أمثال 5:9).
كل من يأكل من هذا الخبز يصبح حكيماً ويترك طريق الجهل. ونحن نحتاج إلى هذا الخبز في كل وقت.. في كل يوم.. في الصباح والظهر والمساء.
وكما نأكل نحن الخبز في كل حين، هكذا نحتاج إلى حكمة الله في كل حين، حتى نعرف كيف نميز بين النافع والضار، وحتى نقدر أن نختار بين الصالح والأصلح.
“الحكمة ذبحت ذبحها.. رتبت مائدتها. أرسلت جواريها تنادي: هلموا كلوا من طعامي” (أمثال 1:9-5).
فهل تأتي أيها القارئ العزيز إلى المسيح، وتطلب منه أن يشبع قلبك بكل ما تحتاج إليه؟ إنك تحتاج إليه، لأنك بدونه تحيا في جهالة.
الخبز لك.. أنت:
لا يستطيع أحد أن يأكل الخبز بدل شخص آخر!
كل واحد يأكل طعام نفسه. وفي معاملتك مع المسيح يجب أن تؤمن أنت نفسك شخصياً. “من يأكل جسدي ويشرب دمي يثبت فيَّ وأنا فيه” (يوحنا 56:6).
“هذا هو الخبز النازل من السماء لكي يأكل منه الإنسان ولا يموت” (يوحنا 50:6).
الأكل عمل فردي.. وكذلك الإيمان بالمسيح.
ولا بد أن يدخل الخبز في جسدنا، ويصبح لحماً من لحمنا، وعظماً من عظامنا، ودماً من دمنا.
أيها القارئ العزيز:
هل قبلت المسيح في قلبك؟
هل سلمت له حياتك؟
افتح قلبك له، وخذ منه الحياة.