«لاَ يَحْتَاجُ الأَصِحَّاءُ إِلَى طَبِيبٍ بَلِ الْمَرْضَى» (متى 9: 12).

تذمر رجال الدين اليهود على المسيح، واستغربوا أنه يأكل مع الخطاة والعشارين، وانتقدوه على ذلك. ولكن المسيح قال لهم: “لا يحتاج الأصحاء إلى طبيب، بل المرضى.. لأني لم آت لأدعو أبراراً، بل خطاة إلى التوبة”.
وقد جاء المسيح من أجل الخطاة، لأنه الطبيب الروحاني الذي جاء ليشفي المتسلط عليهم إبليس. وهو اليوم الطيب الوحيد الذي يقدر أن يشفي من مرض الخطية، لأنه وحده الذي يملك العلاج، فليس بأحد غيره الخلاص، لأن ليس اسم آخر تحت السماء، قد أعطى بين الناس، به ينبغي أن نخلص” (أعمال 12:4).
وفي العهد القديم انتظر الناس الذي يشفيهم، فسأل إرميا: “أليس بلسان في جلعاد، أم ليس هناك طبيب؟ فلماذا لم تعصب بنت شعبي؟” (إرميا 22:8). وكان إشعياء قد أعلن أن خطية الشعب القاتلة بدون طب ولا علاج “من أسفل القدم إلى الرأس ليس فيه صحة، بل جرح وإحباط وضربة طرية لم تُعصر ولم تُعصب ولم تُلين بالزيت” (6:1).
وأخيراً جاء الطبيب الذي انتظروه.. الطبيب الذي شفى، والذي يشفي.
الطبيب البشري يعجز أحياناً:
الأطباء من البشر يعجزون أحياناً عن العلاج، كما فشلوا مع نازفة الدم التي أنفقت كل معيشتها على الأطباء، ولكنها صارت إلى حال أردأ (مرقس 26:5). وقد جاء في أمثال اليهود مثل يقول: “أيها الطبيب اشف نفسك” (لوقا 23:4).
ولم يكن الأطباء اليهود متقدمين في مهنة الطب، لأن اليهودي كان يؤمن أن المرض جزاء الخطية، فإذا عاون الطبيب المريض لتخفيف آلامه أو لشفائه يكون قد تدخل في معاملة الله مع شعبه، ولذلك نقرأ عن الملك آسا أنه أخطأ لأنه عندما اشتد عليه المرض لم يطلب الرب بل طلب الأطباء فمات (2أخبار 12:16).
ولم يكن الأطباء اليهود متقدمين في الجراحة لأن لمس جثة الميت كان ينجس اليهودي سبعة أيام، إذ يقول الناموس: “من مس ميتاً يكون نجساً سبعة أيام.. كل من مس ميتاً ولم يتطهر ينجس مسكن الرب فتقطع تلك النفس من إسرائيل” (العدد 11:19 و13). ولما كان التقدم في الجراحة يعتمد على التشريح، كان أطباء اليهود متأخرين في هذا الفن.
ولكن فن الطب تقدم عند اليهود بمرور الوقت، ونقرأ في حكمة يشوع بن سيراخ قوله: “أعط الطبيب كرامته لأجل فوائده لان الرب خلقه، لأن الطب آتٍ من عند العلي.. الرب خلق الأدوية من الأرض والرجل الفطن لا يكرهها.. عن العلي قد ألهم الناس العلم لكي يتمجد في عجائبه.. يا ابني إذا مرضت فلا تتهاون بل هلّ إلى الرب فهو يشفيك.. أقلع عن ذنوبك ونقِّ قلبك منكل خطية، ثم اجعل موضعاً للطبيب فإن الرب خلقه، ولا يفارقك فإنك تحتاج إليه”.
وفي أخبار رحلات بولس الرسول نرى أنه أخذ معه البشير لوقا، كاتب إنجيل لوقا وسفر الأعمال، ونحن نعلم أن لوقا كان طبيباً (كولوسي 14:4) وقد أخذ بولس من نصائح لوقا الطبية ما أرسله إلى تيموثاوس الذي كان يعاني من مرض في معدته (1تيمو 23:5).
يسوع يرى الحالة:
قال أحد الحكماء: “إن المحامي يرى الناس في أردأ حالاتهم، عندما يذهبون إليه بمشاكلهم.. أما القسيس فيرى الناس في أحسن حالتهم، عندما يذهبون إليه للعبادة. لكن الطبيب يرى الناس كما هم في حالتهم الحقيقية.. ليس الأحسن ولا الأردأ، لكن الواقع الصحيح..
ولا يرى الطبيب في المريض الذي أمامه غنياً أو فقيراً، لكنه يرى إنساناً محتاجاً للعلاج.
هكذا مع المسيح. إنه يرانا في حالتنا الطبيعية الحقيقية كما هي. إنه يرانا خطاة محتاجين إلى التوبة والغفران. وليس محتاجاً أن يخبره أحد عن الإنسان لأنه عرف ما في الإنسان. كل شيء عريان ومكشوف لديه.
يسوع يعرف الخطأ:
بعد أن يرى الطبيب الحالة كما هي يعرف مكان المرض، ويعطي التشخيص. وفي التشخيص يعلن الطبيب نقطة الضعف التي سببت مرض المريض.
وقد عرف المسيح أن علة مرض الناس هي الخطية.. ولذلك أعلن أن الخطية هي السر.
وأنت إذ تصغي إلى كلام المسيح تشعر أنه يشخص الحالة بالضبط. على الأرض كتب خطية الرجال الذين جاءوا ليرجموا المرأة الخاطئة، حتى اختشى كل واحد منهم ومضى. وفي حديثه مع بطرس قال له إنه سينكره ثلاث مرات، بينما لم يعرف بطرس حالة نفسه وظن أنه لو شك الجميع في المسيح فهو لا يشك.
يسوع يريد أن يساعد:
الطبيب الذي يرى الحالة، ويعرف سبب المرض يهتم بأن يساعد المريض. قد نرى نحن المجروح ونحزن عليه، ولكننا لا نقدر أن نساعده. أما الطبيب فإنه يساعد.
رأى الكاهن اليهودي المجروح وجاز مقابله بدون أن يساعده، ورآه اللاوي ولم يساعده أما السامري الصالح فقد نزل عن دابته وساعد الرجل الجريح، ولم يتركه حتى اطمئن عليه.
والرب يسوع المسيح هو الطبيب الذي لا يمكن أن يترك المريض المحتاج للمساعدة بدون أن يساعده. إنه لا ينظر إلى المريض في “قرف” واحتقار، لكنه ينظر إليه في عطف وحنان، ويعمل على شفائه.
ومَن غير يسوع المسيح يشفي، ويخفف الألم، ويريح القلوب؟!
يسوع ضحي بنفسه:
يعرف الطبيب الحالة، ويشخص المرض، ويجاهد أن يساعد، حتى إن كانت هذه المساعدة تكلفة حياته. وفي أيام الأوبئة يخرج الأطباء إلى مكان الوباء، ويضحون بصحتهم وراحتهم في سبيل المرضى ليساعدوهم. وقد سمعنا عن أطباء ماتوا وهم يعالجون أحد المرضى بمرض خطير بسبب العدوى..
وقد قدم المسيح نفسه من أجل خلاص العالم.. الذي لم يعرف خطية جعل خطية لأجلنا، وإذ تشارك الأولاد في اللحم والدم اشترك هو أيضاً فيهما، وإذ وُجد في الهيئة كإنسان وضع نفسه وأطاع حتى الموت، موت الصليب! وما أعظم التضحية!!
يسوع الذي يعرف العلاج:
بعد أن يعرف الطبيب المرض يقدم العلاج الصحيح. وقد يخطئ الطبيب البشري، أو قد لا يجد علاجاً للمرض. غير أن الطبيب العظيم يسوع لا يصعب عليه أمر، ويستطيع كل شيء.
هو الذي عالج مرض الخطية بنجاح ليس بشفاء آثار الخطية فقط، لكن بتغيير الطبيعة الأصلية الخاطئة وإعطاء طبيعة جديدة تعمل الخير والصلاح. لأنه إن كان أحد في المسيح فهو خليقة جديدة، لأشياء العتيقة قد مضت، هوذا الكل قد صار جديداً.
وهو الذي أزال الخصام بيننا وبين الله، وصالحنا معه فلسنا بعد أعداء، لكننا أبناء له. ورثة الله ووارثون مع . “أما كل الذين قبلوه فقد أعطاهم سلطاناً أن يصيروا أولاد الله، أي المؤمنون باسمه” (يوحنا 12:1).
يسوع يشفي مرض الجسد:
رأينا يسوع يشفي المرض الصعب مرض الخطية، وكلمة “خلاص” معناها “شفاء” فإن يسوع يشفينا من مرض البعد عن الله..
على أن يسوع يشفينا من مرض الجسد أيضاً، فعندما كان على الأرض كان يطوف يعلم ويكرز ببشارة الملكوت ويشفي كل مرض وكل ضعف في الشعب (متى 23:4) وعندما أرسل تلاميذه ليكرزوا للناس أوصاهم قائلاً: “أشفوا مرضى. طهروا برصاً. أقيموا موتى. أخرجوا شياطين” (متى 8:10).
وهو اليوم يشفي كل من يدعوه، وهناك الوعد الصادق: “أنا الرب شافيك” وكلمة شفى في اللغة العبرانية هي كلمة “رفا” وهي تعني حرفياً ما يقوم به الرفا الذي يخيط نسيج الثوب معاً ليصلحه بعد تمزيقه وليس شفاء المسيح وضع قطعة من ثوب جديد على جزء ممزق في ثوب عتيق، فإن هذا هو الترقيع، لكن يسوع يجمع أجزاء الجسد معاً حتى تؤدي وظيفتها كما كانت.. إنه يعيد الجسد المريض إلى ما كان عليه، هذا ما فعله مع صاحب اليد اليابسة، إذ رجعت اليد المريضة صحيحة كالأخرى (مرقس 5:3).
عزيزي القارئ
لك في يسوع المسيح ما تحتاج إليه من شفاء روحي وجسدي.. أطلب وجهه تجد الراحة!
أفرغت كل جهدي في طلب الطبيب
فما بلغت قصـدي وزاد بي النحيب
ظل الرجاء عندي واليأس كالمريب
حتى أزال وجدي مخلصي الحبيب
هذا الطبيب الشافي والفارج الكروب
مد يــد الألطاف وطيب القلوب
أعطي الضياء الصافي لأبصر الذنوب
وقال: دع خلافي تسلم من الخطوب

Share This