«آخذاً صورة عبد» (فيلبي 7:2)
يتحدث المسيحيون عن المسيح باعتبار أنه صاحب طبيعتين فهو إله وإنسان معاً، لأن الإنجيل يقول: “عظيم هو سرُّ التقوى الله ظهر في الجسد” (1تيمو 16:3). في ألوهيَّته أسكت الرياح العاصفة، وأقام الموتى، وخلق من الطين حياة. وكإنسان كامل جاء عبداً، واحتمل موت الصليب، وضحى بنفسه وأطاع الله ورفض طريق العنف، فكان له النصر النهائي، ولذلك فإن الإنجيل المقدس يطلق على السيد المسيح لقب “عبد الرب” إنه الله، لكنه في الوقت نفسه عبد الرب المتألم المضحي الفادي المنتصر.
الحقيقة التي يعلنها لنا الإنجيل المقدس هي أن المسيح هو الله الذي تجسد وصار إنساناً ليتمم عمل الفداء وليموت من أجلنا على الصليب، ثم ليقوم من بين الأموات ويعود إلى المجد الذي جاء منه.
قبل مجيئه إلى أرضنا هو الله، وفي أثناء إقامته في أرضنا هو الله المتجسد في صورة عبد – في صورة إنسان. وبعد أن أنهى عمله الفدائي عاد إلى مجده الأصلي. استمع إليه في صلاته الشفاعية وهو يقول: “أيها الآب، مجد ابنك ليمجدك ابنك أيضاً، إذ أعطيته سلطاناً على كل جسد، ليعطي حياة أبدية لكل من أعطيته. وهذه هي الحياة الأبدية التي يعرفوك أنت الإله الحقيقي وحدك، ويسوع المسيح الذي أرسلته. أنا مجدتك على الأرض. العمل الذي أعطيتني لأعمل قد أكملته. والآن مجدني أنت أيها الآب عند ذاتك بالمجد الذي كان عندك قبل كون العالم” (يوحنا 1:17-5).
لقد كان في مجده فأخلى نفسه من مجده، وجاءنا إنساناً عبداً لله، وأكمل العمل الذي جاء من أجله، وعاد إلى مجده الأصلي. فالمسيح هو الله، وهو عبد الله المتألم. نصدق لو أننا قلنا إن المسيح هو عبد الله فهكذا تقول الأناجيل. ونصدق لو قلنا إن المسيح هو عبد الله، لأنه في مرحلة معينة من عمره تجسَّد وصار إنساناً، آخذاً صورة عبد. وبعد أن أكمل خدمته عاد إلى مجده.
العبد المتألم:
المسيح عبد الرب الذي اختار أن يصير إنساناً ليضحي من أجلنا ويقدم نفسه كفارة عن خطايانا. فيقول الإنجيل المقدس كما رواه متى في الأصحاح الثامن: “لما جاء يسوع إلى بيت بطرس رأى حماته مطروحة ومحمومة فللمس يدها، فتركتها الحمى فقامت وخدمتهم. ولما صار المساء قدَّموا إليه مجانين كثيرين، فأخرج الأرواح بكلمة، وجميع المرضى شفاهم، لكي يتم ما قيل بإشعياء النبي القائل: “هو أخذ أسقامنا وحمل أمراضنا” (متى 17:8) لقد قبل السيد المسيح أن يقوم بالعمل الفدائي كاملاً، ولقد تحدث النبي إشعياء في التوراة قبل مجيء المسيح إلى أرضنا بسبعمائة سنة، قائلاً بلسان السيد المسيح: “أعطاني السيد الرب لسان المتعلمين، لأعرف أن أغيث المعيي بكلمة، يوقظ كل صباح لي أذناً لأسمع كالمتعلمين. السيد الرب فتح لي أذناً وأنا لم أعاند. إلى الوراء لم أرتد، بذلت ظهري للضاربين وخدي للناتفين. وجهي لم أستر عن العار والبصق، والسيد الرب يعينني، لذلك لا أخجل، لذلك جعلت وجهي كالصوان وعرفت أني لا أخرى” (إشعياء 4:50-7).
هذا هو السيد المسيح الذي جاء أرضنا إنساناً مولوداً من امرأة، مولوداً تحت الناموس ليخلص الذين لم يقدروا أن يتمموا مطالب الناموس. ولقد كتب النبي إشعياء في فسره شيئاً عن هذا العبد المتألم، الذي جاء أرضنا ليقدم نفسه ذبيحة كفارية عنا، وكأن إشعياء كان جالساً تحت الصليب يصف ما يجري فوقه. استمع إليه وهو يقول في الأصحاح الثالث والخمسون من سفره: “أما الرب فسُرَّ بأن يسحقه بالحزن. إن جعل نفسه ذبيحة إثم يرى نسلاً تطول أيامه ومسرة الرب بيده تنجح. من تعب نفسه يرى ويشبع، وعبدي البار بمعرفته يبرر كثيرين وآثامهم هو يحملها. لذلك أقسم له بين الأعزاء ومع العظماء يقسم غنيمة، من أجل أنه سكب للموت نفسه وأحصي مع أثمة، وهو حمل خطية كثيرين، وشفع في المذنبين” (إشعياء 10:53-12).
أطاع المسيح عبد الرب طاعة كاملة، كإنسان كامل جاء إلى أرضنا، وقام بكل ما كلفه به الآب السماوي، وهو بذلك يعطينا نموذجاً رائعاً فيما يجب أن تكون عليه طاعتنا.
نعم، كانت حياة المسيح مذهلة في طاعته، لذلك يقول رسول المسيحية بولس: “فليكن فيكم هذا الفكر الذي في المسيح يسوع أيضاً. الذي إذ كان صورة الله، لم يحسب خلسة أن يكون معادلاً لله، لكنه أخلى نفسه، آخذاً صورة عبد، صائراً في شبه الناس. وإذ وجد في الهيئة كإنسان وضع نفسه وأطاع حتى الموت موت الصليب، لذلك رفعه الله أيضاً وأعطاه اسماً فوق كل اسم، لكي تجثو باسم يسو كل ركبة ممن في السماء ومن على الأرض ومن تحت الأرض، ويعترف كل لسان أن يسوع المسيح هو رب لمجد الله الآب” (فيلبي 5:2-11).
العبد البعيد عن العنف:
رفض المسيح طريق العنف. فعبد الرب الذي تألم من أجلنا لم يقاوم الذين جاءوا يصلبونه، لأنه لهذا الهدف قد جاء. ويخبرنا الإنجيل المقدس أنه عندما جاء رجال اليهود ليلقوا القبض عليه استلَّ بطرس سيفه وضرب مَلخُس عبد رئيس الكهنة فقطع أذنه، فقال المسيح لتلميذه بطرس “رُدَّ سيفك إلى مكانه، لأن كل الذين يأخذون السيف بالسيف يهلكون” (متى 52:26). ثم مضى يقول لتلميذه: “أتظن أني لا أستطيع الآن أن أطلب إلى أبي فيقدم لي أكثر من اثني عشر جيشاً من الملائكة فكيف تكمل الكتب أنه هكذا ينبغي أن يكون؟” (متى 53:26 و54). لقد كان المسيح عندما سلم نفسه للذين جاءوا لإلقاء القبض عليه يدرك أنه يتمم نبوات العهد القديم. وفي غير عنف سلم نفسه لصالبيه.
في تأملنا في لقب المسيح عبد الرب المتألم، نرى أنه قد حاز النصر النهائي، إذ جاء أرضنا إنساناً، وتمم مشيئة الآب السماوي، فرفعه الآب إليه وأعطاه اسماً فوق كل اسم. نعم كما يقول الإنجيل: “إنه ينبغي أن يملك ليضع أعداءه موطئاً لقدميه” (1كو 25:15). ندعوك الآن أن تصير حبيب المسيح، أن تقبله مخلصاً لك، وأن تستفيد من عمله الكفاري على الصليب.