(لوقا 10:19) «ابن الإنسان قد جاء ليطلب ويخلص ما قد هلك»

 

كان المسيح يحب أن يلقب نفسه “ابن الإنسان” وقد استعمله دائماً عن نفسه أكثر من 30 مرة في إنجيل متى و15 مرة ي إنجيل مرقس و25 في إنجيل لوقا وحوالي 12 مرة في إنجيل يوحنا.

وكان هذا اللقب على فم المسيح نفسه دوماً، ما عدا أربع مرات في العهد الجديد، مرة حين سأله الواقفون حوله عن معنى اللقب (يوحنا 34:12) وفي مرة أخرى حين قاله استفانوس وهو يستشهد (أعمال 56:7) وفي مرتين في سفر الرؤيا

(رؤيا 13:1 و14:14).

أما في العهد القديم فقد جاء في المزامير وحزقيال ودانيال..

والآن ما هو قصد المسيح من هذا اللقب الذي كان يحبه واستعمله كثيراً وما هو المعنى الموجود فيه؟

ابن الإنسان ممثل البشر:

ما أجمل تواضع المسيح وهو يحسب نفسه واحداً من البشر، بعد أن أخلى نفسه من مجده وصار مثل واحد من الناس، ما عدا الخطية!

لم يقل المسيح عن نفسه إنه ابن النجار، أو ابن اليهود.. لكنه كان يحب أن يلقب نفسه بلقب ابن الإنسان، لأنه أراد أن يحسب نفسه من البشر كلهم.

أنه للجميع. كل واحد له فيه نصيب.. وفي كل أمة له شعب..

في نظره ليس أبيض ولا أسود، ولا غني ولا فقير، ولا متعلم وجاهل، ولا عربي وأعجمي، ولا شرقي وغربي، لأنه للجميع، وعنده مكان لكل واحد.

يرسمه الفنان الإفريقي مثل الإفريقيين، ويرسمه الصيني مثل الصينيين، ويرسمه الأوربي مثل الأوربيين.. وكل هذه الرسوم صواب لأن المسيح فعلاً وحقاً ابن الإنسان ممثل الجميع، ومخلص الجميع، وصديق الجميع.

اسمعه وهو يقول: “للثعالب أوجرة، ولطيور السماء أوكار، وأما ابن الإنسان فليس له أين يسند رأسه” (متى 20:7).

وهو يتحدث مع تلاميذه عن عظمة التواضع، فيقول لهم: “من أراد أن يصير فيكم عظيماً، يكون لكم خادماً. ومن أراد أن يصير فيكم أولاً يكون للجميع عبداً. لأن ابن الإنسان أيضاً لم يأت ليُخدَم بل ليَخدُم، وليبذل نفسه فدية عن كثيرين” (مرقس 43:10-45).

ولا شك أن المسيح كان يعرف قول المرنم: “فمن هو الإنسان حتى تذكره، وابن آدم حتى تفتقده” (مزمور 4:8) التي تقدمها رسالة العبرانيين:”ما هو الإنسان حتى تذكره، أو ابن الإنسان حتى تفتقده” (عبرانيين 6:2). وقد لقب المسيح نفسه بهذا اللقب ليكون ممثلاً للبشر ونائباً عنهم، صائراً في شبه الناس.

ومن هذه التسمية الجميلة التي كان المسيح يحبها، نرى أن المسيح يحبنا حتى رضى أن يصير إنساناً مثلنا، ويسمي نفسه “ابن الإنسان” بمعنى أنه واحد من البشر.

إليه نأتي بدون خوف…

وعنده نطرح مشاكلنا بدون تردد..

إنه حسب نفسه ممثلاً ونائباً عن البشر..

هو شفيعنا!

ابن الإنسان مرتبط بكل البشر:

المسيح مرتبط بالبشرية كلها. ابن الإنسان، ابن آدم، ابن البشر جميعاً، الذي جاء من أجل الجميع. لقد رآه البعض نبيَّ أمته وحدها، واقتبسوا لذلك شاهدين: الشاهد الأول عندما أرسل تلاميذه ليكرزوا وقال لهم: “إلى طريق أمم لا تمضوا، وإلى مدينة للسامريين لا تدخلوا، بل اذهبوا بالحري إلى خراف بيت إسرائيل الضالة” (متى 5:10 و6) فقال قائل “إن المسيح جاء لأمته وحدها، وليس للبشرية كلها. لكن الذي يقول هذا لا يدرك أن قول المسيح: “اذهبوا بالحري إلى خراف بيت إسرائيل الضالة” كان أمراً لتلاميذه بمناسبة إرساليتهم الأولى التي أرسل فيها المسيح تلاميذه بغرض تدريبهم، ومن الأفضل لمن يتدرب أن يخدم من يعرفهم قبل أن يذهب إلى من لا يعرفهم. ولذلك فقد أرسل تلاميذه ليبشروا أمتهم اليهودية أولاً، لأن اليهود أهل كتاب مُنزَل. ثم بعد ذلك توجه التلاميذ بأمر من المسيح ليخدموا الوثنيين الذين لا دين لهم، وانتشروا برسالة المسيح إلى أقصى الأرض، بناءً على تكليف السيد المسيح لهم. نعم جاء المسيح للبشرية كلها، أما إرساله تلاميذه ليبشروا اليهود أولاً، فقد كان ذلك للتدريب، لكن أمره جاء بعد ذلك: “اذهبوا إلى العالم أجمع واكرزوا بالإنجيل للخليقة كلها” (مرقس 15:16) وأرسل الروح القدس لتلاميذه بهدف هو: “ستنالون قوة متى حل الروح القدس عليكم وتكونون لي شهوداً، في أورشليم واليهودية والسامرة وإلى أقصى الأرض” (أعمال 8:1).

ويقتبس بعضهم قول المسيح لامرأة كنعانية، كانت ابنتها مريضة، واستجارت به، فقال لها: “لم أُرسل إلا لخراف بيت إسرائيل الضالة” (متى 24:15). فيقولون إن المسيح كان نبي أممته فقط. لكن الذين يقولون هذا ينسون أن المسيح عندما قال للسيدة هذا القول كان قد ذهب ليزور منطقتها الوثنية، فجسمه موجود حيث تلك السيدة. لقد ذهب بنفسه إلى الوثنيين – ذهب برغبته – وفي تلك المنطقة أجرى المسيح معجزة بأن أطعم أربعة آلاف بسبعة خبزات وقليل من السمك حتى أكل الجميع ورفعوا من بقية الطعام سبعة سلال مملوءة. إذاً لماذا قال المسيح إنه لم يرسل إلا لخراف بيت إسرائيل الضالة؟ الإجابة: ليشرح للتلاميذ أن الإيمان العظيم موجود بين الوثنيين كما هو موجود بين شعبهم. لم يكن الكلام موجهاً للمرأة بقدر ما كان موجهاً للتلاميذ. وقد ظهرت عظمة إيمان تلك المرأة عندما جاوبت المسيح بقولها: “والكلاب تأكل من الفتات الذي يسقط من مائدة أربابها” فأظهرت عظمة تواضعها وعظمة إيمانها، فقال المسيح لها: “يا امرأة، عظيم إيمانك. ليكن لك كما تريدين” فشفيت ابنتها من تلك الساعة.

عندما لقَّب المسيح نفسه أنه “ابن الإنسان” أظهر أنه جاء للبشر جميعاً، وأنه مرتبط بالبشرية كلها. ولا عجب أنه قال بفمه الطاهر: “هكذا أحب الله العالم حتى بذل ابنه الوحيد لكي لا يهلك كل من يؤمن به بل تكون له الحياة الأبدية”.

ابن الإنسان المخلص المنتظر:

ورد في سفر المزامير القول: “لتكن يدك على رجل يمينك، وعلى ابن آدم الذي اخترته لنفسك” (مزمور 17:80).

وجاء في نبوة النبي دانيال أنه رأى رؤيا  – رأى أسداً له جناحا نسر، وهو يمثل مملكة بابل – ثم رأى دباً وفي فمه ثلاثة أضلع بين أسنانه، وهو يمثل مملكة أشور – ثم رأى نمراً وله على ظهره أربعة أجنحة طائر، وهو يمثل مملكة فارس – ثم رأى حيواناً رابعاً هائلاً وقوياً وشديداً وله أسنان كبيرة من حديد، وهو يمثل مملكة اليونان تحت حكم اسكندر الأكبر.

ثم رأى دانيال رؤيا خامسة.. رأى أنه وإذا مع سحب السماء مثل ابن الإنسان أتى وجاء إلى القديم الأيام، فقربوه قدامه، فأعطى سلطاناً ومجداً وملكوتاً لتتعبد له كل الشعوب والأمم والألسنة. سلطانه سلطان أبدي ما لن يزول.. وملكوته ما لا ينقرض (دانيال 7).

“ابن الإنسان” هذا يبدأ عهد حكم جديد، يوم ويتسلط بمجد.. إنه ملكوت المسيح ابن الإنسان.

ولا شك أن المسيح كان يعرف أن لقب ” ابن الإنسان” المذكور هنا هو لقب المسيا، والمسيا هو الملك المخلص المنتظر الذي كان اليهود ينتظرونه مخلصاً لههم.

على أن غلطة اليهود هي أنهم ظنوا أن المسيا يملك ملكاً أرضياً، ويطرد الرومان المستعمرين.. مع أن المسيح جاء ليملك ملكاً روحياً على قلوب كل من يؤمن به من كل شعب وأمة.

وقد تحدث المسيح ن الخلاص الذي جاء به للبشر، بعد أن أعطاه لزكا، فقال: “لأن ابن الإنسان قد جاء لكي يطلب ويخلص ما قد هلك” (لوقا 10:19).

وتحدث المسيح عن نفسه باعتبار أنه “ابن الإنسان” صاحب السلطان على الأرض أن يغفر الخطايا (مرقس 10:2).

وتحدث أيضاً باعتبار أنه ابن الإنسان “رب السبت أيضاً” (مرقس 28:2) وقال: “لان ابن الإنسان لم يأت ليهلك أنفس الناس، بل ليخلص” (لوقا 56:9). وقد أرسل المسيح تلاميذه ليكرزوا به، وقال لهم: “طوباكم إذا أبغضكم الناس.. من أجل ابن الإنسان” (لوقا 22:6).

ابن الإنسان المتألم:

وقد تحدث المسيح كثيراً عن ابن الإنسان الذي يتألم من اجل فداء الناس.

يقول المسيح لتلاميذه: “ابن الإنسان ينبغي أن يتألم كثيراً ويرفض من الشيوخ ورؤساء الكهنة والكتبة ويُقتل” (مرقس 31:8).

وقال لتلاميذه: “تعلمون أنه بعد يومين يكون الفصح، وابن الإنسان يُسلم ليصلب” (متى 2:26).

وحين جاءه يهوذا الإسخريوطي ليقبله قبلة الخيانة قال له: “أبقبلة تسلم ابن الإنسان؟” (لوقا 48:22).

وقال الملاك للنساء بعد القيامة: “ينبغي أن يسلم ابن الإنسان في أيدي أناس خطاة ويُصلب” (لوقا 7:24).

على أن آلام ابن الإنسان لم تنته بالموت لكنها انتهت بالقيامة!.

وقد تحدث المسيح مع تلاميذه عن المجد الذي ينتظره بعد القيامة بالقول: “متى جلس ابن الإنسان على كرسي مجده، تجلسون أنتم أيضاً على اثني عشر كرسياً” (متى 28:19).

ابن الإنسان القاضي:

“لأنه كما أن البرق يخرج من المشارق ويظهر إلى المغارب، هكذا يكون أيضاً مجيء ابن الإنسان” (متى 27:24).

“يرسل ابن الإنسان ملائكته فيجمعون من ملكوته جميع المعاثر وفاعلي الإثم، ويطرحونهم في أتون النار. هناك يكون البكاء وصرير الأسنان. حينئذ يضيء الأبرار كالشمس في ملكوت أبيهم” (متى 41:13-43).

“ومتى جاء ابن الإنسان في مجده، وجميع الملائكة القديسين معه، فحينئذ يجلس على كرسي مجده، ويجمع أمامه جميع الشعوب، فيميز بعضهم من بعض كما يميز الراعي الخراف من الجداء، فيقيم الخراف عن يمينه والجداء عن اليسار” (متى 31:25-33).

“اسهروا إذاً وتضرعوا كل حين لكي تحسبوا أهلاً للنجاة من جميع هذا المزمع أن يكون، وتقفوا قدام ابن الإنسان” (لوقا 36:21).

إن ابن الإنسان قد جاء متواضعاً أخلى نفسه.. وأخذ صورة عبد.. وتألم من أجل الخلاص للبشر جميعاً.. وقام منتصراً من القبر، وغلب.. وكل من يؤمن به ينال مغفرة الخطايا.. وكل من لا يؤمن يصير مستحقاً نار الدينونة الأبدية..

لقب السيد المسيح “ابن الإنسان” يدُّل على أن المسيح قد جاء للبشر جميعاً، بل جاء خصيصاً لك أنت ليخلصك. وعليك أن تخصص مجيء المسيح لعالمنا بركة لك أنت شخصياً، عندما تقبله في حياتك سيداً لك، ليغير حياتك وليباركك وليجعل منك إنساناً جديداً، فنقدر أن تقول مع رسول المسيحية بولس: “الذي أحبني وأسلم نفسه لأجلي”.

Share This