الإنسان يسوع المسيح» (1تيموثاوس 5 :32)»

 

هناك حقيقة ينبغي أن ننتبه إليها دائماً ونحن نتأمل في ألقاب السيد المسيح وفي شخصه، هي أن المسيح جمع طبيعتين: الطبيعة الإنسانية الكاملة والطبيعة الإلهية الكاملة. فهو إنسان مثلنا جميعاً: أكل وشرب وتعب ونام وتألم وصُلب ودُفن، غير أنه قام من بين الأموات. ثم إن المسيح يمتلك طبيعة إلهية كاملة فهو الذي عرف الغيب، وأدرك ما يدور في صدور سامعيه، وهو الذي خلق للأعمى عينين. بل عن الإنجيل المقدس يقول: “كل شيء به كان وبغيره لم يكن شيء مما كان” (يوحنا 3:1). اتحدت الطبيعة الإلهية بالطبيعة الإنسانية فيه دون أن تختلط أو تمتزج، لذلك يقول رسول المسيحية بولس: “عظيم هو سر التقوى الله ظهر في الجسد” نعم المسيح هو الله الذي ظهر في الجسد (1تيمو 16:3)
“يوجد إلهٌ واحدٌ ووسيطُ واد بين الله والناس: الإنسان يسوع المسيح” (1تيمو 5:2).
عندما التقى السيد المسيح بالمرأة السامرية التي كانت شريرة خاطئة غير حياتها، وعندما تغيرت رجعت إلى أهل بلدها تقول لهم: “انظروا إنساناً قال لي كل ما فعلت” (يوحنا 29:4). وحدث أن السيد المسيح شفى رجلاً مولوداً أعمى، فمضى الرجل يقول: “إنسانٌ يقال له يسوع صنع طيناً وطلى عيني” (يوحنا 11:9) وأعلن بيلاطس لشيوخ اليهود ولجمهور الشعب عن المسيح: “هوذا إنسان” وإن كنا نظن أن المرأة السامرية أو المولود أعمى و بيلاطس لم يكونوا يعرفون المسيح معرفة كافية، فقالوا عنه إنه إنسان، فماذا نقول في الذين يرفونه. قال عنه يوحنا المعمدان: “هذا هو الذي قلت عنه يأتي بعدي رجلٌ صار قدامي لأنه كان قبلي” (يوحنا 30:1). وقال عنه تلميذه بطرس في موعظته المشهورة يوم الخمسين: “يسوع الناصري رجلٌ قد تبرهن لكم من قِبَل الله بقوات وعجائب وآيات صنعها الله بيده في وسطكم” (أعمال 22:2) وقال عنه رسول المسيحية بولس لتلميذه تيموثاوس: “يوجد إله واحد ووسيط واحد بين الله والناس: الإنسان يسوع المسيح”. من هنا نرى أنه لم يكن نصف إنسان ونصف أله، ولكنه كان إنساناً كاملاً حقاً.
حوادث حياته:
من حوادث حياة المسيح نلمس أنه كان إنساناً كاملاً. لقد جاء أرضنا مولوداً من امرأة. صحيح أنه بلا أب بشري، فقد ولد من الروح القدس، لكنه أيضاً ولد من مريم العذراء في مذود بسيط، وكان ينمو ويتقوى بالروح ممتلئاً حكمة، وكانت نعمة الله عليه. وكان يعيش مع مريم أمه ومع يوسف في الناصرة، وكان خاضعاً لهما. واشتغل بالنجارة. وكان كما يقول الإنجيل عنه: “يتقدم في الحكمة والقامة والنعمة عند الله والناس” (لوقا 51:2) وجاء الشيطان يجرب المسيح كما يجرب أي واحد من البشر، وواجه المسيح الشيطان كما يواجهه سائر البشر وانتصر عليه. لكن الشيطان لم يترك المسيح، إذ يقول الإنجيل إن الشيطان المهزوم فارق المسيح إلى حين. فقد عاد إليه يجربه عدة مرات بعد ذلك (لوقا 13:4).
ويقول الإنجيل المقدس عن السيد المسيح إنه مجرب في كل شيء مثلنا (عبرانيين 15:4). لقد جاع المسيح وعطش، وتعب ونام، واحتاج وحزن ومات مصلوباً ودفن، ويكفي أن نصفه بالقول: “الكلمة صار جسداً وحل بيننا” (لوقا 2:4 ويوحنا 6:4 و7 ولوقا 23:8 و58:9 ومرقس 5:3 ومتى 38:26).
الله يكلمنا فيه:
لماذا جاءنا المسيح إنساناً؟ عندما أراد الله أن يعلن نفسه للبشر أرسل ابنه إنساناً مثلهم. ويقول البشير يوحنا: “الله لم يره أحدٌ قط. الابن الوحيد الذي هو في حضن الآب هو خبر” (يوحنا 18:1). من هذا نرى أن الله كان يكلمنا في المسيح كما يقول الإنجيل المقدس: “الله بعد ما كلم الآباء بالأنبياء قديماً بأنواع وطرق كثيرة، كلمنا في هذه الأيام الأخيرة في ابنه” (عبرانيين 1:1 و2) فالمسيح هو الإعلان الأعظم عن الله، الذي قال: “الذي رآني فقد رأى الآب” (يوحنا 9:14).
مرة كان واعظ مشهور يتنزه في الغابة القريبة من بيته، ويصحب معه ابنه الصغير. وداس الواعظ الكبير على عش للنمل دون أن يقصد، فقتل عدداً كبيراً من النمل. وحزن الولد الصغير وهو يرى النمل يموت تحت حذاء أبيه، فقال: “بابا، يجب أن تعتذر للنمل”. فقال الآب: لا أقدر أن أعتذر للنمل، لأنني لا أتكلم لغتهم وهم لا يفهمون كلامي” فقال الولد لأبيه: “ولماذا لا تتعلم لغة النمل؟” قال الآب: “لأنني يجب أ أصير نملة حتى أقدر أن أكلم لنمل، ولا يخاف النمل مني، وأنا لا أقدر أن أصير نملة، لأن الله وحده هو الذي يقدر أن يخلق. ووحده الذي يقدر أن يغير خليقته” وهنا مضى الواعظ الشهير يقول: “إن الله أراد أن يشرح محبته للناس، ولم يقدر الناس أن يفهموا هذه المحبة، ولذلك صار الله إنساناً مثل الناس حتى يقدر الناس أن يفهموا محبته ويدركوا عظمة هذه المحبة. ولما كان المسيح هو الله فقد استطاع أن يصير إنساناً، وكلمنا الله في المسيح وأعلن لنا ذاته فيه. لا يستطيع أحد أن يرى الله، لكننا نرى الله في المسيح. ولا يستطيع أحدٌ أن يدرك الله، لكننا ندرك الله في المسيح. ولقد قال أحد الحكماء: “الله بلا كيف، لكن مفتاحه في المسيح”.
يعطف علينا:
يقول كاتب الرسالة إلى العبرانيين: “لأن ليس لنا رئيس كهنة غير قادر أن يرثي لضعفاتنا، بل مجرب في كل شيء مثلنا، بلا خطية” (15:4).
ومن هذا نرى أن المسيح صار أخاً لنا، قادراً أن يرثي لضعفاتنا ويعزينا، ويعطف علينا، لأنه قد اختبر أحزاننا.
إنه نسل المرأة.. لأنه مولود من امرأة بدون رجل..
وهو نسل إبراهيم، لأنه يفدي المؤمنين الذين هم أبناء إبراهيم.
ويقول كاتب الرسالة إلى العبرانيين أيضاً: “ينبغي أن يشبه إخوته في كل شيء، لكي يكون رحيماً ورئيس كهنة أميناً في ما لله حتى يكفر خطايا الشعب، لأنه في ما هو قد تألم مجرباً يقدر أن يعين المجربين” (17:2 و18).
وأنت وأنا نقدر أن نأتي إلى المسيح بدون خوف، لأنه مثلنا في كل شيء ما عدا الخطية “فلنتقدم بثقة إلى عرش النعمة لكي ننال رحمة، ونجد نعمة عوناً في حينه” (عبرانيين 16:4).
الإنسان الكامل:
المسيح إنسان مثلنا في كل شيء ما عدا الخطية. وقد سأل هو مرة أعداءه: “من منكم يبكتني على خطية؟” ولم يستطع أحدٌ أن يجاوب عليه (يوحنا 46:8).
يقول عنه الرسول بطرس، الذي عرفه معرفة قريبة أكثر من ثلاث سنوات: “الذي لم يفعل خطية ولا وجد في فمه غش” (1بطرس 22:2) نعم، كان يجب أن يكون المسيح بدون خطية لأن طبيعته البشرية متحدة في أقنوم واحد مع طبيعته الإلهية الطاهرة، وقد قال هو: “أنا والآب واحد” (يوحنا 30:10)والمسيح بدون خطية حتى يكون ذبيحة الفداء المقبولة أمام الله، كما يقول الإنجيل المقدس: “كان يليق بنا رئيس كهنة مثل هذا، قدوس بلا شر ولا دنس، قد انفصل عن الخطاة وصار أعلى من السموات” (عبرانيين 26:7). وفي كمال المسيح يمكننا أن نجد فداءنا وخلاصنا.
المسيح إنسان كامل – هذا صحيح تماماً. والذي يقول إن المسيح إنسان ويسكت، يكون قد أعلن نصف الحقيقة. فالمسيح إله وإنسان معاً. فيه يحل كل ملء اللاهوت جسدياً. هو الله الذي ظهر في الجسد.
أدعوك لأن تعرف المسيح، المعرفة الكاملة، كما أعلنه لنا الإنجيل المقدس. أدعوك لأن تفتح له قلبك لتجد بالإيمان به مغفرة خطاياك والحياة الأبدية.

Share This