ويدعى اسمه.. إلهاً قديراً» (إشعياء 6:9)»

 

قال توما للمسيح، وهو يسجد له: “ربي وإلهي” فقبل منه المسيح هذا السجود. وقال رسول المسيحية بولس عنه: “عظيم هو سرُّ التقوى: الله ظهر في الجسد” (1تيمو 16:3) كما قال أيضاً: “فيه يحلُّ كل ملء اللاهوت، جسدياً” (كولوسى 2: 9). وفى موقف مقارنة بين السيد المسيح والملائكة، يتساءل الإنجيل المقدس : “فلأي واحد من الملائكة قال الله مرة : “أنت ابني ، أنا اليوم ولدتك” أو قال : ” أنا أكون له أباً وهو يكون لي ابناً. وعندما يعيد الله ابنه البكر إلى العالم يقول: ولتسجد له ملائكة الله جميعاً. أما عن الملائكة فيقول : جعل ملائكته رياحاً وخدامه لهيب نار، لكنه يخاطب الابن قائلاً: عرشك يا الله ثابت إلى أبد الآبدين، وصولجان حكمك عادل ومستقيم. إنك أحببت البر وأبغضت الإثم، لذلك مسحك الله إلهك ملكاً ، إذ صب عليك زيت البهجة أكثر من رفقائك. كما يخاطب الابن أيضاً بقوله : أنت يا رب وضعت أساس الأرض في البداية، والسماوات هي صنع يديك، هي تفنى وأنت تبقى ، فسوف تبلى كلها كما تبلى الثياب ، فتطويها كالرداء ثم تبدلها. ولكنك أنت الدائم الباقي، وعمرك لن ينقضي”. ثم يستمر الإنجيل المقدس في التساؤل: “فهل قال الله مرة لأي واحد من الملائكة ما قاله للابن: اجلس عن يميني حتى أجعل أعداءك موطئاً لقدميك؟ فليست الملائكة إلا أرواحاً خادمة ترسل لمساعدة الذين سيرثون الخلاص” (عبرانيين 5:1 –14).

وعندما نفكر في لاهوت المسيح، نقف في خشوع لأننا نتأمل غير المحدود الذي تواضع وأخذ جسماً بشرياً، “الذي إذ كان في صورة الله لم يحسب خلسة أن يكون معادلاً لله، لكنه أخلى نفسه آخذاً صورة عبد، صائراً في شبه الناس، وإذ وجد في الهيئة كإنسان وضع نفسه وأطاع حتى الموت موت الصليب” (فيلبي 6:2-8).

ويقول لنا الإنجيل المقدس إنه لا يستطيع أحد أن يقول إن يسوع المسيح رب إلا بالروح القدس (1كو 3:12) فغن لاهوت المسيح سر، وعظيم هو سر التقوى: الله ظهر في الجسد. ومعنى كلمة سر في الكتاب المقدس أنه الشيء الغامض الذي يكشفه الله للإنسان، لأن الإنسان لا يقدر أن يكتشفه لنفسه بدون إعلان إلهي.

فافتح قلبك لعمل الروح القدس، وبعد أن يقتنع قلبك ستجد أن عقلك قد اقتنع، كما يقول الفيلسوف باسكال: إن للقلب براهينه كما للعقل أيضاً براهينه، ولاهوت المسيح شيء تلمسه بقلبك قبل أن تلمسه بفكرك.

الوحدانية المركَّبة:

سُئل السيد المسيح مرة: “ما هي أعظم وصية؟” فأجاب: “أول كل الوصايا هي: الرب إلهنا هو رب واحد، وتحب الرب إلهك من كل قلبك ومن كل نفسك ومن كل فكرك ومن كل قدرتك. هذه هي الوصية الأولى، والثانية مثلها: تحب قريبك كنفسك” (متى 34:22-40). الرب إلهنا رب واحد، هكذا قال السيد المسيح. والكلمة المترجمة “واحد” تدل على وحدانية مركبة لا وحدانية بسيطة. فمثلاً جسد الإنسان واحد، لكنه من وحدة مركبة، لأنه مكون من أعضاء كثيرة. نحن نؤمن برب واحد فيه ثلاث أقانيم: الأقنوم الأول: الله الآب. والأقنوم الثاني: الابن، المسيح، الكلمة. والأقنوم الثالث: الروح القدس. ونحن نرى هذه الأقانيم الثلاثة، ومع ذلك نرى أن الله واحد، ولذلك نحن نؤمن أن الله واحد وحدة مركبة وليست وحدة بسيطة. لكن كيف للعقل البشري المحدود أن يدرك الله غير المحدود؟ هل نقدر أن نضع مياه البحر في نقرة نحفرها علي الشاطئ ؟ حتى لو استطعنا ذلك فإننا لن نستطيع ان ندرك أسرار الله الخالق بعقولنا التي خلقها هو . فالله بلا كيف .

نحن نري الأقانيم الثلاثة معاً وقت معمودية السيد المسيح , فلقد كان الابن يتعمد في الماء, والروح القدس نازلاً في هيئة جسميه كحمامة و آتياً عليه , وصوت الآب من السماء يقول: “هذا هو ابني الحبيب الذي به      سررت” (متي 16:3 و17). وكل أقنوم من الثلاثة يتكلم مع الأقنوم الآخر، فالآب يتكلم مع الابن. إذ نقرأ في المزمور المائة والعاشر: “قال الرب لربي اجلس عن يميني حتى أضع أعدائك موطئاً لقدميك”. والابن تكلم مع الآب قائلاً: “أيها الآب مجد اسمك” فجاء صوت من السماء: “مجدت وأمجد أيضاً” (يوحنا 28:12).

وفي نبوة إشعياء الأصحاح الثامن والأربعين نقرأ قول المسيا الآتي مخلصاً للعالم: “منذ وجوده أنا هناك. والآن السيد الرب أرسلني، وروحه” فالمسيح موجود منذ وجود الآب، يقول: “اليد الرب أرسلني الآن، في ملء الزمان. أرسل الله الابن إلى العالم ويقول: “الآن السيد الرب أرسلني، وروحه”. وفي الأصحاح الحادي والستين في نبوة إشعياء يقول المسيا الآتي: “روح السيد الرب علي لأن الرب مسحني” فالابن يقول “مسحني”. الرب مسحه، وروح السيد الرب عليه.

ما أعظم هذا الفكر، أن الله مشغول بخلاص البشر، يريد سعادتهم. الآب والابن والروح القدس معاً، يعملون على إنقاذ الإنسان من خطئه ومن شره. إن الله مشغول بخلاص الإنسان بالرغم من فساد الإنسان، فكيف ننجو نحن إن أهملنا خلاصاً هذا مقداره؟.

الله واحد مما في هذا شك، لكن وحدانيته مركبة. نقرأ قول السيد المسيح في أمرنا بالمعمودية: “اذهبوا إلى العالم أجمع واكرزوا بالإنجيل للخليقة كلها، وعمدوهم باسم الآب والابن والروح القدس” (متى 19:28). لا يقول عمدوهم بأسماء بل عمدوهم باسم. فهناك إله واحد: الآب والابن والروح القدس. والسيد المسيح هو الأقنوم الثاني، الله الابن الأزلي، الذي جاء أرضنا ليخلصنا يتساءلون: “من هو هذا؟ فإن الريح أيضاً والبحر يطيعانه”.

ثم واجه المسيح مجنوناً كان يقطع الطريق على المارة، فأمر المسيح الشياطين أن تخرج منه، فخرجت الشياطين وشفي الرجل.

والتقى المسيح بامرأة مريضة بنزف الدم منذ اثنتي عشرة سنة، وقد أنفقت كل مالها على العلاج دون أن تستفيد شيئاً، بل صارت إلى حال أردأ. ولما لمست هدب ثوب المسيح نالت الشفاء التام.

ثم دخل المسيح بيت رئيس لمجمع اليهود، اسمه يايرس، كانت ابنته قد ماتت، فأمسك المسيح بيدها وقال لها: “يا صبية لك أقول قومي” وللوقت قامت الصبية ومشت.

من هو هذا الذي يملك السلطان على الطبيعة وعلى الأبالسة وعلى المرض وعلى الموت إلا الله؟ لذلك نقول إن المسيح هو الله.

4- وهو العالم بكل شيء، فقد قال له تلاميذه بعد أن عرفوه جيداً: “الآن نعلم أنكك عالم بكل شيء، ولست تحتاج أن يسألك أحد، لهذا نؤمن أنك من الله خرجت” (يوحنا 30:16). ويشهد الرسول عنه أنه “المذخر فيه كل كنوز الحكمة والعلم” (كولوسي 3:2).

  • وهو القادر على كل شيء – عنه يقول سفر الرؤيا إنه القادر على كل شيء” (8:1) ويقول في العبرانيين: “حامل كل الأشياء بكلمة قدرته” (3:1). وليس هذا غريباً، فإنه بحسب عمل استطاعته يخضع لنفسه كل شيء” (فيلبي 21:3). بل نحن نستطيع كل شيء (في 13:4) كم نصر ضعيفاً، وأنقذ أسيراً.
  • وقد أقام الأنبياء بعض الموتى بعد أن طلبوا ذلك من الله في الصلاة، لكن المسيح صاحب السلطان على الحياة لأنه الخالق. ولذلك أمر الميت أن يقوم فقام.. وقد قال شاعر عربي:

 

كان رجال الله تحيي ميتاً                        بصلاتها ودعائها المتقدم

وتراه يحيي الميتين بأمره         هذا الإله، ومن تنكر يندم!

أعمال المسيح هي أعمال الله:

والمسيح يعمل الأعمال التي لا يعملها إلا الله، وهي الخلق والخلاص والإقامة من الأموات والدينونة..

  • المسيح الخالق: “كل شيء به كان وبغيره لم يكن شيء مما كان” (يوحنا 3:1). “كان في العالم وكوّن العالم به” (يوحنا 10:1) – “فيه خلق الكل، ما في السموات وما على الأرض” (كولوسي 16:1).
  • المسيح يقيم من الأموات “كما أن الآب يقيم الأموات ويحيي، كذلك الابن أيضاً يحيي من يشاء” (يوحنا 21:5) “فقد ابطل الموت وأنار الحياة والخلود” (2تيمو 20:1) وقد قال: ” أنا هو القيامة والحياة. من آمن بي ولو مات فسيحيا” (يوحنا 25:11) “وهذه هي مشيئة الذي أرسلني أن كل ما أعطاني لا أتلف منه شيئاً بل أقيمه في اليوم الأخير” (يوحنا 39:6).
  • والمسيح يدين في اليوم الأخير – فيتساءل بولس ويجيب: “من هو الذي يدين؟ المسيح” (رومية 34:8) فإن “الآب لا يدين أحداً بل قد أعطى كل الدينونة للابن” (يوحنا 2222:5) وهو “المعيَّن من الله ديَّاناً للأحياء والأموات” (أعمال 42:10).

ما قاله المسيح:

هذا هو المسيح، الله ظهر في الجسد، الذي يقول عن نفسه:

“أنا والآب واحد” (يوحنا 30:10)

“الذي رآني فقد رأى الآب” (يوحنا 8:14)

حتى شيوخ اليهود انتقدوا عليه أنه ” قال إن الله أبوه، معادلاً نفسه بالله” (يوحنا 18:5).

قال كليف س لويس، الذي كان أستاذاً بجامعة كامبريدج “إني هنا أحاول أن أمنع من يُجرَّب أن يقول القول الفارغ: إني أقبل المسيح كمعلم أخلاقي عظيم، ولكني لا أقبل دعواه بأنه الله، فهذا ما لا يجب أن يقوله عاقل! فإن ما قاله المسيح عن نفسه لا يجعل منه معلماً أخلاقياً عظيماً، لكنه إما أن يكون مجنوناً، أو شيطاناً. فهو إما مجنون، أو هو الشيطان نفسه. وقد ترفضه وتحكم عليه بالجنون، أو تبصق عليه وتقتله كشيطان، أو تجثو عند قدميه وتدعوه رباً وإلهاً. ولكن لنترك جانباً اللغو الفارغ بأنه معلم عظيم، فلم يترك لنا الفرصة لنقول مثل هذا الكلام، ولم يرد لنا أن نقوله!”.

إن كلام المسيح جزء من ذات نفسه، وليس نطق نبي يعلن كلام سواه. فلو أننا فصلنا بين يسوع وأقواله، لا تعود لها قوتها. ويقول المؤرخ العظيم كنث لاتوريت أستاذ التاريخ المسيحي في جامعة بيل: “ليست تعاليم المسيح هي التي تعطيه الأهمية الكبيرة، مع أنها كافية لأن تفعل ذلك، ولكن العظمة في الشخص الذي قال ما قاله! ولا يمكن أن تفصل بين المعلم وتعاليمه. إن القارئ المفكر للأناجيل يرى أن المسيح وتعاليمه غير منفصلين، فإن تعليمه عن ملكوت الله وعن السلوك البشري وعن الله تعاليم هامة، ولكنها لا تنفصل أبداً عن شخصه”.

إنه الله! رأينا أنه يعمل عمل الله. إنه الخالق الذي خلقك، يأخذ التراب بيده وينفخ فيه فتسري فيه الحياة. من يكون الذي يخلق من الطين حياة إلا الله؟ هذا الذي يحيي العظام وهي رميم. هذا الذي يخرج الموتى من قبورهم. هذا الذي قال فيه الشاعر

المقبلون إلى المسيح ليخلُصُوا   ترك المسيح لأجلهم عرش السما

Share This