أؤمن أن يسوع المسيح هو ابن الله (أعمال 8: 37)
عندما يفكر المسيحيون في السيد المسيح، فإن أول لقب ببالهم أنه ابن الله. أنه ابن مريم. من أبوه؟ لقد ولد من الروح القدس، لذلك نقول أنه ابن الله. ولقد ورد هذا اللقب أربعاً وأربعين مرة في العهد الجديد، ورد على فم الآب السماوي، فقال: «هذا هو ابني الحبيب الذي به سررت» (مرقس 1: 11). وكرر الآب السماوي مرة أخرى هذا اللقب على جبل التجلي عندما نزل موسى وإيليا من السماء يتكلمان مع المسيح، وجاء صوتٌ من السماء يقول: «هذا هو ابني الحبيب الذي به سررت، له اسمعوا» (متى 17: 5). ويقول البشير متى إن مجيء السيد المسيح إلى مصر حقق نبوة نبي التوراة هوشع تقول: «من مصر دعوت ابني» (متى 2: 15).
ولقد ورد هذا اللقب الحبيب على فم الملاك الذي بشر العذراء القديسة مريم بذلك الميلاد المعجزي العجيب. فعندما أعلن لها الملاك جبرائيل أنها ستلد المسيح، قالت: «كيف يكون هذا وأنا لست أعرف رجلاً؟» أجابها الملاك: «الروح القدس يحل عليك، وقوة العلي تظللك، فلذلك أيضاً القدوس المولود منك يُدعى ابن الله» (لوقا 1: 35).
وورد لقب المسيح ابن الله على فم تلاميذ المسيح المقرَّبين. فقد قال يوحنا المعمدان: «أنا قد رأيت وشهدت أن هذا هو ابن الله» (يوحنا 1: 34). ومرة كان تلاميذ المسيح في سفينة معذَّبين من الأمواج، وكانت الريح معاكسة لهم، فجاءهم المسيح ماشياً على ماء البحيرة، فظنوه خيالاً، لكنه شجعهم قائلاً: «أنا هو. لا تخافوا». فقال له بطرس: «إن كنت هو المسيح، فمرني أن آتي إليك ماشياً على الماء». فدعاه المسيح أن يسير على الماء،ففعل. وعندما دخل المسيح وتلميذه بطرس إلى السفينة. سكتت الريح، فتقدم التلاميذ الذين في القارب وسجدوا للمسيح قائلين: «بالحقيقة أنت ابن الله» (متى 14: 33).
وعندما ذهب السيد المسيح إلى بيت مرثا ومريم بعد أن مات أخوهما لعازر، قالت له مرثا: «أنا قد آمنت أنك أن المسيح ابن الله الآتي إلى العالم» (يوحنا 11: 27). ويفتح البشير مرقس إنجيله بقوله: «بدء إنجيل يسوع المسيح ابن الله» (مرقس 1:1). ونقرأ عن شاول الطرسوسي الذي تغيَّرت حياته، وصار فيما بعد الرسول بولس، أنه «أخذ يكرز في المجامع بالمسيح أن هذا هو ابن الله» (أعمال 9: 20). ويحدثنا الإنجيل المقدس أن وزير مالية الحبشة كان يتعبَّد في أورشليم، وأخذ نسخة من نبوة النبي إشعياء، جعل يقرأ فيها وهو في عربته في طريق عودته، عندما رافقه واحدٌ من رسل المسيح واسمه فيلبس، وسأله عما يقرأه، وشرح له تلك النبوات التي جاءت في التوراة وتحققت في المسيح المخلص. وآمن الخصيُّ الحبشيُّ بالمسيح وقال: «أؤمن أن يسوع المسيح هو ابن الله» (أعمال 8: 37).
ما المقصود بلقب ابن الله؟
تعودنا أن نسمع اللقب «المسيح ابن مريم» فمن يكون أبوه، إلا الله الذي سبَّب الحبل به من العذراء القديسة مريم؟ نقول “ابن مريم” فنعطي انتماءه لأمه. ولكي ينتمي إلى أب نقول «ابن الله».
ثم إننا نعني أنه مثل الله. الذي رآه فقد رأى الله (يوحنا 14: 9). لقد قال المسيح إن الذين يصلّون لأجل الذين يسيئون إليهم هم أبناء الآب السماوي، لأنهم يتصرفون مثله، فهو يشرق شمسه على الأشرار والصالحين (متى 5: 44، 45)، والمسيح هو صورة الله غير المنظور وفيه سُرَّ أن يحل كل ملء اللاهوت جسدياًُ (كولوسي 1: 15، 19، 2: 9).
هل قال المسيح عن نفسه إنه ابن الله؟
نعم، لقد قالها أكثر من مرة. نقرأ في الأصحاح التاسع من بشارة يوحنا أن المسيح التقى برجل أعمى منذ ولادته، وطلب منه أن يذهب إلى بركة سلوام ليغسل عينيه ويرجع بصيراً. وبعد أن رجع التقى بالمسيح فسأله: «أتؤمن بابن الله؟» فقال الأعمى بعد أن انفتحت عيناه: «ومن هو يا سيد لأؤمن به؟» أجابه المسيح: «قد رأيته، والذي يتكلم معك هو هو». فقال الرجل: «أؤمن يا سيد» وسجد له (يوحنا 9: 35-37).
ومرة تناول اليهود حجارة ليرجموا بها المسيح، فقال لهم: «أريتكم أعمالاً صالحة كثيرة من عند أبي، فبسبب أي عمل منها ترجمونني؟» أجابوه: «لا نرجمك بسبب عمل صالح، بل بسبب تجديفك، لأنك تجعل نفسك الله وأنت إنسان». فقال لهم يسوع: «أليس مكتوباً في شريعتكم أنا قلت إنكم آلهة؟ فإذا كانت الشريعة تدعو أولئك الذين نزلت إليهم كلمة الله آلهة ، والكتاب لا يمكن أن يُنقض، فهل تقولون لمن قدسه الآب وبعثه إلى العالم: أنت تجدف، لأني قلت أنا ابن الله؟» (يوحنا 10: 31-36 من ترجمة كتاب الحياة).
كان المسيح يشعر دوماً أنه ابن الله. عندما كان في الثانية عشرة من عمره يزور هيكل أورشليم، وجاءت مريم ويوسف يفتشان عليه، قال لهما: “ينبغي أن أكون فيما لأبي” (لوقا 49:2).
وفي بستان جثسيماني وهو يصلي، قبل إلقاء القبض عليه للصليب، سمعناه يقول للآب: “يا أبتاه، إن شئت أن تجيز عني هذه الكأس” (لوقا 39:22-44). ووقت محاكمته أمام رئيس الكهنة سألوه: “أفأنت ابن الله؟” فقال لهم: “أنتم تقولون إني أنا هو” فصرخوا: “ما حاجتنا بعد إلى شهادة؟ لأننا نحن سمعنا من فمه” (لوقا 70:22) وعلى الصليب ختم حياته على أرضنا بقوله: “يا أبتاه، في يديك استودع روحي” (لوقا 46:23).
المؤمنون أبناء الله:
يتحدث الكتاب المقدس عن أن المؤمنين هم أيضاً أبناء الله.
المؤمنون يخاطبون الله على أنه الآب السماوي ويدعونه بدالة البنين قائلين: “يا أبا الآب” (غلاطية 6:4).. كما أن المسيح خاطب الآب السماوي بدالة الابن قائلاً: “يا أبا الآب” (مرقس 36:14).
لكن الفرق الكبير بين المؤمنين كأبناء لله، وبين المسيح كابن لله، هو أن بنوة المؤمنين مكتسبة، أنعم الله بها عليهم.. أما بنوَّة المسيح فهي أزلية أصيلة.. بنوة المسيح أصيلة أصيلة، من قبل كل الدهور، ولكن بنوية المؤمنين تأتيهم عن طريق اتحادهم بالمسيح وثبوتهم فيه.. ولنسمع بولس الرسول يقول: “إذ سبق فعيَّننا للتبني بيسوع المسيح لنفسه حسب مسرَّة مشيئته، لمدح مجد نعمته” (أفسس 5:1 و6).
ومن ألطاف الله وإنعاماته علينا أنه تنازل وقبل أن يجعلنا أبناءً له، بعد أن كنا عبيداً للخطية، وأعداءً له، ومطرودين من بيته وفردوسه، فيقول إنجيل يوحنا: “كل الذين قبلوه فأعطاهم سلطاناً أن يصيروا أولاد الله. أي المؤمنون باسمه، الذين ولدوا ليس من دم ولا من مشيئة جسد ولا من مشيئة رجل، بل من الله” (يوحنا 12:1 و13).
ويقول الرسول يوحنا: “إن علمتم أنه بار هو، فاعلموا أن كل من يصنع البر مولود منه. انظروا أية محبة أعطانا الآب حتى نُدعى أولاد الله” (1يوحنا 29:2 و1:3).
ويقول الرسول بولس عن المؤمنين إنهم أولاد الله الذين ينقادون بروح الله (رومية 14:8).
ما هو الفرق إذاً بين المسيح ابن الله، وبين المؤمنين أولاد الله؟
الفرق الأول أن المسيح ابن الله من الأصل بالطبيعة منذ الأزل.
أما المؤمن فهو ابن بالتبني، إذ رضى الله في رحمته أن يجعله ابناً له!
والمسيح هو الابن الوحيد.. الذي وحده يقدر أن يقول: “أنا والآب واحد” (يوحنا 30:10) وهو وحده الذي يقدر أن يقول: “الذي رآني فقد رأى الآب” (يوحنا 9:14).
أما المؤمن فهو يرى الله في المسيح. “الله لم يره أحد قط. الابن الوحيد الذي هو في حضن الآب هو خبَّر” (يوحنا 18:1).
الابن صاحب السلطان:
قال المسيح: “كل شيء قد دُفع إليّ من أبي، وليس أحد يعرف الابن إلا الآب. ولا أحد يعرف الآب إلا الابن، ومن أراد الابن أن يعلن له” (متى 27:11) وقال: “كل ما للآب هو لي” (يوحنا 15:16).
له سلطان على كل شيء. وهو الذي يدين: “ولأن الآب لا يدين أحداً، بل قد أعطى كل الدينونة للابن” 0يوحنا 22:5). وكل من له ابن الله يتمتع بحمايته وخلاصه.
الابن يقود للآب:
قال المسيح: “الآب يعرفني وأنا أعرف الآب” (يوحنا 15:10) وعلى هذا فإنه: “ليس أحد يأتي إلا الآب إلا بي” (يوحنا 38:8).
وهو وحده الذي يقودنا إلى الآب، لأنه وحده يعرف الآب. “الذي يؤمن بالابن له حياة أبدية. والذي لا يؤمن بالابن لن يرى حياة بل يمكث عليه غضب الله” (يوحنا 36:3).
الابن يطيع الآب:
والمسيح ابن الله يطيع الآب السماوي.
إنه يقول: “طعامي أن أعمل مشيئة الذي أرسلني وأتمم عمله” (يوحنا 34:4).
ويقول: “لا يقدر الابن أن يعمل من نفسه شيئاً إلا ما ينظر الآب يعمل. أنا لا أقدر أن أفعل من نفسي شيئاً” (يوحنا 19:5 و30).
ويقول: “لأني قد نزلت من السماء، ليس لأعمل مشيئتي، بل مشيئة الذي أرسلني” (يوحنا 38:6).
وفي هذا نرى تواضع المسيح، الذي أخلى نفسه، وأخذ صورة عب، وصار في شبه الناس. كما إننا نرى كماله وعدم خطيته في طاعته الكاملة للآب.
أنه الكامل..
وهو الذي تنازل!